خلال العقدين الماضيين، شهدت المجموعة الاستثمارية الملكية "المدى" تحولاً استراتيجياً جعل منها أحد أبرز الفاعلين الاقتصاديين ذوي البصمة المؤثرة على مستوى القارة الإفريقية. منذ عام 2005، بدأت المجموعة، التي كانت تُعرف سابقاً باسم "الشركة الوطنية للاستثمار" (SNI)، في تنفيذ رؤية توسعية تستهدف القطاعات الحيوية والأسواق الإفريقية الواعدة.
بدأت نقطة التحول مع التوسع الخارجي لبنك "التجاري وفا بنك"، الذراع المالي للمجموعة. وجاء ذلك عقب اندماج "البنك التجاري المغربي" مع "وفابنك"، مما أسس أرضية صلبة للانتشار على مستوى المغرب العربي. وسرعان ما توجهت المجموعة نحو السوق التونسية، حيث استحوذ "التجاري وفا بنك" على حصة الأغلبية في "بنك الجنوب" الذي أعيدت تسميته لاحقاً إلى "التجاري بنك تونس". هذه الخطوة شكلت بداية مسار طويل نحو تعزيز الحضور في غرب ووسط أفريقيا من خلال سلسة استحواذات وعمليات اندماج لاحقة شملت السنغال، مالي، الغابون، الكوت ديفوار، بوركينا فاسو، موريتانيا، توغو، والنيجر. واليوم يمتد حضور البنك إلى 27 دولة، منها 14 دولة إفريقية.
استراتيجية التوسع لم تقتصر على القطاع المالي فقط، بل حرصت "المدى" على خلق أبطال وطنيين في مجالات مختلفة. أسست المجموعة في عام 2005 شركة "ناريفا" المتخصصة في الطاقات المتجددة، في وقت لم يكن القطاع يحظى بالاهتمام الاستثماري الكافي. بفضل رؤية بعيدة المدى وسياسات طموحة، باتت "ناريفا" اليوم من أكبر منتجي الكهرباء المتجددة في أفريقيا بطاقة إنتاجية تتجاوز 3200 ميغاواط منها حوالي 2000 ميغاواط من مصادر متجددة. وساهمت الشركة في مشاريع استراتيجية منها محطات لتحلية مياه البحر في مدينة الداخلة، معلنة بذلك انفتاحها على الأسواق الإفريقية جنوب الصحراء ومواكبة العروض الاستثمارية هناك.
ترتكز فلسفة "المدى" على البحث الدائم عن القيمة المضافة من خلال اقتناص الفرص الاستثمارية ذات المردودية العالية والتأثير المستدام في القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية مثل الطاقة، التعدين، الصناعات والخدمات المالية. وقد أسفرت هذه السياسة عن مضاعفة العائدات بشكل لافت، إذ بلغ الناتج البنكي الصافي لـ"التجاري وفا بنك" سنة 2024 حوالي 34,5 مليار درهم مقارنة بـ 8,8 مليارات فقط في 2007.
يعكس مسار "المدى" خلال العشرين سنة الماضية تحولات عميقة في النموذج الاقتصادي المغربي، مما جعلها ليس فقط آلية لخلق الثروة والاستثمار على النطاق الوطني، بل أيضاً رافعة للتنمية الشاملة وتعزيز الارتباط الاقتصادي بين المغرب وعمقه الإفريقي. ومن خلال ديناميكية التوسع والابتكار، تواصل المجموعة اليوم لعب دور محوري في رسم مستقبل الاستثمار والاقتصاد بالقارة