أول وحدة ضخمة لصناعة بطاريات الليثيوم أيون خارج آسيا تدخل حيز الخدمة بجرف أصفر

أضيف بتاريخ 06/27/2025
عن جون أفريك

على ساحل المحيط الأطلسي، قبالة المجمع المينائي لجرف أصفر. يوم 25 يونيو 2025، دشنت شركة "كوبكو" (Core Battery Components) أول خط إنتاج لها، في منشأة صناعية متطورة تمتد على مساحة تفوق 230 هكتاراً، مخصصة بالكامل لصناعة المواد الحرجة اللازمة لبطاريات الليثيوم أيون. هذا المشروع يُعد الأول من حيث الحجم خارج القارة الآسيوية، ويشكل منعطفاً استراتيجياً في مسار المغرب نحو التحول إلى فاعل صناعي عالمي وليس مجرد مستضيف للمشاريع الأجنبية.



في ظل تحولات عميقة تشهدها سلاسل التوريد العالمية، حيث تعيد الدول رسم أولوياتها الاستراتيجية في ظل متطلبات تحييد الكربون. ستعمل "كوبكو" على إنتاج نوعين أساسيين من المكونات الكيميائية للبطاريات، بتكلفة إجمالية تصل إلى 20 مليار درهم (نحو ملياري دولار). المواد الأولية من نوع NMC (نيكل-منغنيز-كوبالت)، تُستخدم في أقطاب بطاريات الليثيوم أيون، بطاقة إنتاجية مستهدفة تبلغ 120 ألف طن سنوياً؛ وأقطاب LFP (ليثيوم-حديد-فوسفات)، يبدأ إنتاجها في مرحلة لاحقة بسعة 60 ألف طن سنوياً.

يتجاوز المشروع حدود الإنتاج التقليدي. فهو يشمل أيضاً مراحل التكرير المحلي للمعادن الحرجة وإعادة تدوير "الكتلة السوداء" الناتجة عن البطاريات المستعملة، لاستخلاص الليثيوم والنيكل والكوبالت. سيكون المشروع قادراً على توفير مكونات تكفي لتجهيز مليون سيارة كهربائية سنوياً.

جاء توقيت إطلاق المشروع في سياق عالمي يتسم ببروز قواعد بيئية صارمة، أبرزها آليات ضبط الكربون التي سيطبقها الاتحاد الأوروبي اعتباراً من 2026. بفضل مزاياه التنافسية من كهرباء خضراء، ويد عاملة مؤهلة، واتفاقيات التبادل الحر مع أوروبا والولايات المتحدة، وقربه الجغرافي من الأسواق الأوروبية، يبرز كوجهة مثالية للصناعة منخفضة الكربون. "كوبكو ليست مجرد مصنع، بل مشروع سيادة صناعية وبيئية"، كما يؤكد أحد مسؤولي الشركة. فعبر الاعتماد على الطاقات المتجددة بنسبة 80% في 2025 (مع طموح الوصول إلى 100% نهاية 2026)، واستخدام مياه محلاة، وتطبيق تقنيات التدوير، سيكون بصمة الكربون للموقع أقل من نظيراتها الآسيوية.

على الصعيد المحلي، ترسخ "كوبكو" أثراً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً. ففي مرحلة البناء، تم خلق أكثر من 5000 فرصة عمل مباشرة، أما في مرحلة التشغيل فسيتم توفير 1800 وظيفة دائمة مؤهلة، إلى جانب 1800 وظيفة غير مباشرة في مجالات اللوجستيك وتقديم الخدمات. باحتضانها مراحل الإنتاج الأولية (تكرير، مواد أولية)، تفتح "كوبكو" الباب أمام إدماج الصناعيين المحليين في سلسلة القيمة الكاملة للبطاريات، ما يعزز احترام قواعد المنشأ في الاتفاقيات التجارية ويضع المغرب في قلب التحول نحو السيارات الكهربائية.

يشمل المشروع أيضاً برنامجاً واسعاً لنقل المعرفة. يتم ذلك عبر تدريب الكفاءات المحلية بمشاركة فرق "سي إن جي آر" الصينية، وتوقيع شراكات مع الجامعات ومراكز التكوين المغربية لتأسيس كفاءات وطنية في مجال تكنولوجيا البطاريات. وهذا قطاع لا يزال في مراحله الأولى بالمغرب العربي.

يقف وراء "كوبكو" شراكة متوازنة بين عملاقين استراتيجيين. من جهة، "سي إن جي آر أدفانسد ماتيريالز" الصينية، الرائدة عالمياً في صناعة مواد أقطاب البطاريات، وعميل لكبريات الشركات مثل "تسلا" و"إل جي كيم" و"سامسونج إس دي آي". ومن جهة أخرى "أل مادا"، الصندوق المغربي الرائد في الاستثمارات المستدامة على المستوى الإفريقي.

هذا المشروع يترجم نموذجاً إفريقياً جديداً للصناعة النظيفة، ذات القيمة المضافة العالية والمتصلة بالأسواق العالمية. في سياق يتسم بتسارع التحول نحو الاقتصاد منخفض الكربون، يضع المغرب نفسه في قلب تحولات الطاقة العالمية، كما فعل سابقاً مع الهيدروجين الأخضر وكابلات الربط البحري ومراكز البيانات. "مع كوبكو، نصنع نموذجاً جديداً"، يؤكد أحد ممثلي "أل مادا"، "نعزز طموحنا في تسريع التصنيع الأخضر بالقارة، ونضع المغرب في صلب التحول الطاقي العالمي".