يبرز الشباب المغاربة كفئة متعلمة أكثر من الأجيال السابقة، أكثر نقداً تجاه الحكومة، وأكثر وعياً بالتحديات البيئية، لكنهم في الوقت نفسه يظلون مقتنعين بأن بلدهم "على الطريق الصحيح". هذا ما كشف عنه استطلاع الرأي الذي أجراه مركز "أفروباريوميتر" في فبراير 2024 على عينة وطنية تمثيلية تضم 1200 مواطن مغربي، بخطأ معياري يبلغ زائد أو ناقص 3 نقاط، ليقدم صورة بانورامية لجيل الشباب في المغرب، بين الطموح والقيود، وبين الانتماء للوطن والرغبة في الهجرة.
يمثل الشباب بين 18 و35 سنة أكثر من نصف سكان المملكة. هم اليوم أكثر تعليماً من أي وقت مضى: 56% منهم درسوا بمستوى التعليم العالي، مقابل 9% إلى 27% فقط لدى الأجيال السابقة. لكن هذا الجيل، رغم مؤهلاته العالية، يصطدم بسوق عمل مشبع، غير ملائم وضعيف الدينامية. الشباب المغربي يتركز فيه 63% من معدلات عدم التشغيل، منهم 21% يبحثون عن عمل بنشاط، أي ثلاثة أضعاف أقرانهم في الفئة العمرية 36-45 سنة. باختصار، هم أكثر تأهيلاً لكن أقل اندماجاً اقتصادياً، وهم يواجهون تناقضاً بنيوياً واضحاً.
يعبر الشباب عن رغبة قوية في استقلالية أكبر: 47% من الشباب يفضلون العمل الحر كطريق للاندماج المهني، وهو خيار يعكس رغبة في الاستقلال، لكنه في الوقت نفسه استجابة لواقع سوق العمل القاسي: فرص محدودة، أجور منخفضة، وتوظيف ضعيف. في المقابل، يظل القطاع العام هو الخيار الأكثر استقراراً في نظر الشباب: 31% يضعونه في صدارة تفضيلاتهم، وهي نسبة أعلى من الأجيال السابقة. أما القطاع الخاص فلا يحظى إلا بتفضيل 10% من الشباب، بسبب هشاشة العمل وغياب الاعتراف. هذه الأرقام لا تعكس عزوفاً عن المشاركة المدنية، بل تبرز توقعات كبيرة من الدولة.
تظهر أولويات الشباب بوضوح: 44% من الفئة العمرية 18-35 سنة يضعون التعليم ضمن أهم ثلاثة تحديات، متقدمة على الفقر والصحة، وهي نسبة أعلى بكثير من الفئات العمرية الأخرى. الشباب المغربي، الذي نشأ في ظل تعميم التعليم، ينظر للمدرسة كقاطرة للصعود الاجتماعي، لكنه يراها أيضاً مصدراً للتفاوتات، خاصة مع ضعف التعليم العمومي وانتشار التعليم الخاص، ما يزيد من الفجوات الاجتماعية والجهوية. الشباب ينتظرون سياسات عمومية قوية لتجاوز هذه التحديات، وهو ما يتوافق مع الطموح الذي عبر عنه المغرب منذ الجائحة: بناء دولة اجتماعية أكثر شمولية، بدفع من الملك محمد السادس.
لا يغيب عن الشباب التحديات البيئية، خاصة الجفاف: 44% منهم يضعونه ضمن الأولويات الوطنية، وهي نسبة قريبة من الأجيال الأكبر سناً. هنا، الاهتمام بالجفاف لا ينبع فقط من الوعي البيئي، بل من تأثيره المباشر على الحياة اليومية: تراجع الإنتاج الفلاحي، ارتفاع الأسعار، أزمة المياه، وتفاقم الهشاشة في المناطق القروية.
أما بالنسبة للقدرة الشرائية، فالشباب المغربي واقعي: 47% يعتبرون ارتفاع الأسعار تحدياً أساسياً، وإن كانت هذه النسبة أقل من الفئات العمرية الأكبر، لكنها تبقى مرتفعة في ظل تضخم مستمر. النقد الموجه للحكومة واضح: فقط 20% من الشباب يعتقدون أن الحكومة توفر فرص عمل كافية، و28% يرونها تعمل على الحد من الفقر، بينما لا يرى سوى 14% أنها تتحكم في الأسعار.
28% من الشباب المغاربة فكروا بجدية في الهجرة، وهي نسبة في تصاعد منذ 2017 (حين كانت 20%). الدافع الأساسي اقتصادي: البحث عن عمل (54%)، أو فرص تجارية أو دراسية (12%). لكن هذه الرغبة في الهجرة لا تعكس "بروداً" تجاه الوطن، بل تتعايش مع شعور قوي بالانتماء: 73% من الشباب المغاربة يعتقدون أن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح، وهي نسبة قريبة من الفئات العمرية الأكبر من 46 سنة. التحدي الأكبر أمام صناع القرار المغاربة هو تحويل هذا الانتماء إلى التزام دائم.