وجه آخر للحسن الثاني: ملك يضحك لـ«توم وجيري» ويصحّح الإملاء على هوامش الدولة

أضيف بتاريخ 11/08/2025
عبر جون أفريك

نعرف الحسن الثاني كرجل دولة صارم، استراتيجيّ مُحكِم، وخطيب بعبارة دقيقة وسلطة مهيبة. نعرف خطاباته ومقابلاته المنسّقة ومشهديّة السلطة التي أتقن إخراجها. لكن ما لا نعرفه بما يكفي هو الرجل خارج الكادر: من كان يضحك على «توم وجيري»، يفضّل الوجبات البسيطة والمكاتب الخالية من البذخ، يقرأ حتى الفجر، ويتابع عن كثب دراسة أبنائه، وكذلك دراسة عدد كبير من اليتيمات اللواتي احتضنهن من دون أي ادّعاء أبويّ.



عتيقة بنزيدان واحدة من هؤلاء. في شهادتها المصوّرة وفي كتابها «في ظلّ سنديانين»، لا تكتب أسطورة مذهّبة ولا لائحة اتهام؛ بل تفتح نافذة على حياة داخلية لملك معقّد الشخصيّة لا تكفي أفعاله على خشبة السياسة لتعريفه كلّياً. تحكي كيف انتُزِعَ قدرُها من عنبر بارد في ميتم طنجة إلى عالم تُدار تفاصيله بدقّة، وأولها التعليم: لا تبنٍ رسميّ ولا صناعة عائلة بديلة، بل قرار ملكيّ يُعيد ترتيب مصير طفلة هزيلة ويمنحها بيتاً وملاذاً ومعنى.

في اليوميّ، لم يكن هناك ذاك البذخ الذي يتخيّله كثيرون. على المائدة أطباق مغربيّة عاديّة: طاجين، سمك، وعدس أيضاً. في عطلات نهاية الأسبوع، وقبل عروض الأفلام المسائية في قاعة السينما الخاصة بالقصر، كان يُعرض دائماً فيلم كرتوني أو شريط من «لوريل وهاردي». كان يضحك كثيراً، يمزح، ويحبّ أن يرى الأطفال يضحكون. وحين يعلو الضجيج، كان يبتسم ثم يقول بحزم لطيف: «باركا… خلّونا نتفرّج».

إلى جانب الملك، تبرز شخصية لالة ياسمين، إحدى سيدات القصر، ركناً تربوياً آخر في حياة أتِيكا: امرأة مثقفة، متعدّدة اللغات، تتابع العالم عبر الراديو، قارئة نَهِمة ورفيقة حكيمة. تقول عنها إنها مَن علّمها لذّة القراءة وفنّ التأنّي قبل الكلام، حضوراً حامياً «يحمي بصمت» بلا ضجيج ولا أضواء عامة، ولا رابطة أمومة بيولوجية.

لم يكن اهتمام الملك بالتعليم شكلياً. كان يطلب تقارير عن الصحة، يلتقي الأطباء، يسأل المدرّسين، يتفحّص العلامات والنسخ نفسها. لم تكن «المتوسّط» هدفاً لديه: كان يمقت 10 و11 على 20. إمّا أن تعرف، وإمّا أن تتعلّم حتى تعرف. وحين أعلنت أتِيكا في نزق المراهقة رغبتها في التوقّف عن الدراسة، لم يغضب. تفاوض معها، بالهدوء والدبلوماسية نفسهما اللذين كان يُقنع بهما رئيساً متردّداً أو صحافياً واثقاً أكثر من اللازم.

في الشهادة، لا يظهر محمد السادس كملك قادم، بل كأخ كبير قريب، بلا مسافة مفروضة ولا إشعار بتفوّق هرميّ على اليتيمات. ذاكرة بيت واحد، ضحكات واحدة، أعياد ومشاهد أفلام مشتركة. وحين اعتلى العرش، واصل ما بدأه والده تجاه هؤلاء الفتيات وقد أصبحن نساء: رعاية لا تنقطع، مادياً ومعنوياً.

لماذا تروي عتيقة؟ ليس لتعديل التاريخ، تقول، ولا للدفاع عنه. إنما شكراً واعترافاً لـ«سنديانين» لولاهما لما كانت حيث هي الآن. تكتب لتُبقيهما حيّين خارج إطار الصور الرسمية. لا تنكر شيئاً مما سجّلته كتب التاريخ عن ملك طبع عصره؛ إنما تضيف ما رأته: إنساناً يجمع بين السلطة والحنان، بين الاستراتيجية والصبر، بين العظمة والانتباه للتفاصيل الصغيرة.

تذكّرنا شهادتها بأن خلف الأرشيف هناك أيضاً أفعال خاصة، حضور يوميّ، ملك يضحك على فيلم كرتوني ويصحّح إملاءً على هامش ملفّ دولة. ما تقدّمه ليس سرداً مضادّاً؛ إنه قطعة مفقودة تُكمل اللوحة، أمّا الباقي فللمؤرّخين.



عن : مجلة «جون أفريك» وقناة Jeune Afrique Web TV — رابط الفيديو: https://youtu.be/W48rf1xlAFg