الهجرة من إسرائيل نحو المغرب: بين الذاكرة العائلية والبحث عن أمان جديد

أضيف بتاريخ 09/22/2025
مدونة المغرب


لم يعد الخروج من إسرائيل محرّماً كما في السابق، بل تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى موجة متزايدة. ففي عام 2024، تجاوز عدد المغادرين 82 ألف إسرائيلي، معظمهم من الفئة العمرية ما بين 25 و44 عاماً، مدفوعين بارتفاع تكاليف المعيشة، والأزمة السياسية التي فجّرها مشروع إصلاح القضاء، وصعود اليمين المتطرف إلى الحكم منذ نهاية 2022. أحداث 7 أكتوبر 2023 وما أعقبها من حرب في غزة عمّقت هذا الميل، إذ دفعت آلاف الأسر إلى التفكير في مستقبل خارج البلاد. بالنسبة للبعض من أصول مغربية، كان المغرب ضمن الوجهات الممكنة، كما أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عبر موقعها Ynet.  

لكن على أرض الواقع، تبقى الظاهرة محدودة وغير منظمة. ممثلون عن الطائفة اليهودية بالمغرب يوضحون أن الأمر لا يصل إلى درجة "هجرة جماعية"، رغم تزايد طلبات الحصول على جوازات سفر مغربية، تقدم عادة من قبل أبناء أو أحفاد يهود مغاربة. مكاتب الربط في تل أبيب والرباط تنشط في هذا الإطار، وإن بصعوبة، بينما مساعي الحصول على «جواز ثانٍ» لا تقتصر على المغرب، بل تشمل أيضاً بلدان أوروبية أو الولايات المتحدة، بحسب الأصول العائلية لكل عائلة.  

قصص فردية تعكس ملامح هذه الهجرة الصامتة: نيتا حزان استقرت في الرباط بعدما جذبتها لغة عائلتها وأعرافها المغربية، فيما حصلت شين المالح على جواز السفر المغربي بدافع إعادة الاعتبار لجزء من هويتها الثقافية. في مراكش، فتح يائير بورتال مطعماً للفلافل الكوشر، بينما يقسم بين الإقامة والعمل الفني، في حين يتردد بيني بيرتس وكوبي يفرح – نشطاء في حفظ التراث اليهودي المغربي – بين إسرائيل والمغرب، ويخططان للاستقرار النهائي فيه متى توقفت الحرب.  

الأنثروبولوجية يونا ألفاسي تعبر بوضوح عن «رسالة» هذا التيار. فقد أطلقت دروساً عبر الإنترنت لتعليم العربية المغربية، استقطبت مئات المتعلمين في إسرائيل. هي مثال على انتقال لم يعد فردياً فقط، بل شمل أيضاً عائلات كاملة جاءت لتستقر في المملكة. من جانبها، تروي فاليري بنجيو – وهي إسرائيلية-مغربية عادت إلى بلادها الأصلية – أنها وجدت في المغرب فضاءً آمناً وحضناً ثقافياً واجتماعياً بديلاً، إلى حد أنها أسست اليوم دار نشر لإحياء ذاكرة وطنية متعددة الأبعاد: عربية-إسلامية، أمازيغية ويهودية.  

المشهد يتباين بين تحديات أمنية وأشكال حماية رسمية. فبينما رصدت بعض الصحف حوادث متفرقة كدعوات للمقاطعة أو مضايقات علنية، يؤكد مراقبون أن الدولة المغربية واصلت حماية طقوس وأماكن وجود اليهود من معابد ونوادٍ ومناطق سكنية. المسؤولون والفاعلون الدينيون يحرصون على تثبيت نموذج التعايش اليهودي-الإسلامي في «أفق طويل الأمد». وفي العلاقات الثنائية، رغم تأثير الحرب على وتيرة التطبيع وتراجع المبادلات المباشرة، فإن التعاون الثقافي والعلمي والسياحي مستمر، حيث يواصل عشرات آلاف الإسرائيليين زيارة المملكة سنوياً.  

أما من الجانب الاجتماعي والثقافي، فإن تراث اليهود المغاربة ما يزال حاضراً بقوة في إسرائيل رغم صعوبات الاندماج الأولى. الأطباق المغربية أصبحت جزءاً من المطبخ الوطني، والموسيقى الشرقية (المعروفة بـ"المزراحي") تحولت إلى تيار سائد بعد أن كانت مهمّشة. وفي السنوات الأخيرة، نشطت الموسيقى الأندلسية التي تجمع بين العربية والعبرية، عابرة الحدود بين المغرب وإسرائيل. بالنسبة للمؤرخ يغآل بن نون، فإن ما يحدث اليوم ليس مجرد عودة إلى الماضي، بل «فضول جديد» من الجيلين الثاني والثالث يسعى لاكتشاف المغرب كجسر ثقافي وإنساني بين اليهود والمسلمين.  

هذا التقرير مستند إلى معطيات وشهادات نشرتها صحف إسرائيلية من بينها «هآرتس» و«يديعوت أحرونوت» عبر موقع Ynet، بالإضافة إلى شهادات نقلتها مجلة «Jeune Afrique» حول واقع الهجرة الجديدة نحو المغرب.